الأحد، 15 مايو 2011

مبدعون



يرى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (RUSSEL) في كتابه (السطان THE POWER) أن البشر موزعون في ثلاث خرائط بين القادة والأتباع والمنسحبين، وهو يرى القادة في ضوء العقائديين الصادقين أو الفنيين الماهرين، ويضع هتلر وكرومويل ولينين في الخانة الأولى، وينزل نابليون وموسولويني إلى الخانة الثانية.
ويرى المؤرخ البريطاني (توينبي TOYNBEE) في دراسته للتاريخ (STUDY OF HISTORY) أن الحضارات تنطلق بزحف الأكثرية على وقع خطى الأقلية المبدعة، تمشي على أنغام المزمار، وتنهار الحضارة عندما تتحول الأقلية المبدعة إلى أقلية مسيطرة تسوق الناس بالسياط والذل والرعب والعذاب.
وهو ما لفت القرآن النظر إليه تحت المرض الفرعوني كظاهرة اجتماعية، وهو اللعن الذي صبّه القرآن على فرعون واعتبر (الظاهرة الفرعونية) هي مرض الموت في أي حضارة، ومن هنا فإن فرعون ينخلع من كونه شخصاً تاريخياً ليتحول إلى ظاهرة اجتماعية مرضية، وليس الفرعون (بيبي الثاني) الذي عاش في الألف الثانية قبل الميلاد.
والمرض الفرعوني لم يتسلّط على حضارة وادي النيل منذ مطلعها؛ فبناء الأهرامات لم يأتِ من فراغ، ولكنه القدر الرهيب الذي حاق بها لاحقاً، وهو الوقت الذي عاصره (موسى) عليه السلام، وكان الموت قد وضع يده الباردة عليها، فحسب نظرية (توينبي) ودراسته للحضارة الفرعونية التي عمّرت كأطول حضارة لفترة ثلاثة آلاف سنة، مرّت في مرحلتين؛ النصف الأول منها حمل نبض الحياة، أما النصف الثاني فكان جثة تحتاج من يدفنها لا أكثر، وهي الفترة التي جاء فيها موسى عليه السلام، يواجه حضارة كبيرة ولكنها جثة تنتظر دابة الأرض تأكل المنسأة.
ومن هنا نفهم المغزى الخفي لرسالة موسى أنه لم يأتِ لإصلاح المجتمع الفرعوني، وأن رسالته منحصرة بأخذ بني اسرائيل من ماكينة العبودية (أن أرسل معي بني اسرائيل)، (وتلك نعمة تمنها عليّ أن عبَّدت بني اسرائيل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق