الثلاثاء، 10 مايو 2011

أجمل الكتب التي توقظ العقل


أجمل الكتب التي توقظ العقل





أجمل الكتب التي توقظ الوعي وتشحذ ملكة النقد ليست كثيرة، وأعظم عمل يعمله الفرد في بيته وضع مكتبة من ذخائر الكتب لا تزيد عن بضع مئات في فترة عشر سنين. وكتاب مثل القرآن غير التاريخ، وكتاب رأس المال لكارل ماركس تحول إلى إنجيل في يد الشيوعيين. والكتاب الأحمر لماوتسي دونج كان وقود الثورة الثقافية في الستينات. أما الكتاب الأخضر فلم يوزع إلا بقوة المخابرات والدولار لقوم لم يقرؤوه. وأقوى الكتب ما ثبت وبقي مع الوقت. مثل قوة الذهب واليورانيوم. والناس تقرأ حتى اليوم حكم كونفوشيوس، والطرق الثمانية لبوذا، وهكذا تكلم زرادشت لفيلسوف القوة فردريك نيتشه. ويحلق (ابن خلدون) في مقدمته عبر القرون بكل جبروت فيطل من علو، أما كتابه في التاريخ فلا يقرؤه إلا المتخصصون. ودمر فكر المعتزلة ولكن أفكار (إبراهيم النظام) في الطفرة ما زالت تستهوي (محمد إقبال) فيكتب عنه في تجديد التفكير الديني في محاولة فهم مغزى الزمن وحل معضلة زينون وميكانيكا الكم.. ويعتبر (برتراند راسل) أن مائة دماغ في التاريخ يزيد وينقص كانت خلف أسرار النهضة في أوربا، ولو أجهضت بشكل وأخر لسارت أوربا قرونا أخرى في ظل محاكم التفتيش حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ونحن نظلم التاريخ حين نقول أن أفكارا بعينها غيرت مجرى تدفق الأحداث؛ بل يجب النظر إلى روح العصر وتفاعل عناصر لا حصر لها في ولادة الأحداث، مثل انفجار الأمراض، وهو أمر نعرفه نحن الأطباء جيدا، ولذا كان الطب علما والسياسة دجلا. وجانب كارل ماركس الصواب حينما زعم أن الاقتصاد خلف كل شي، أو فرويد أن الجنس محرك البشر، فالتاريخ عصي على كل تفسير. ويحسن صنعا شرَّاح الفكر الفلسفي في جامعة (مك جيل) في مونتريال حين يقولون للطلبة: يمكن لنا أن نشرح لكم تدفق الأحداث من نهايتها، أما ما ذا يحدث في الغد فعلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. وحاليا نعرف أن الطيران بدأ مع القرن العشرين لتوفر الآلة وعم في أكثر من بلد. والأشياء تبدأ صغيرة لتصبح كالسيل العرم، ولا يتفطن لهذا التطور كما يقول ابن خلدون إلا الآحاد من الخليقة. ومن ملأ بيته بكتب السحرة تحول إلى ساحر. وعندما أدخل بيت أحد الناس أعرف أين يعيش؛ فإن كان أعظم ما في البيت المطبخ والأواني عرفت أنه خارج إحداثيات الزمان والمكان يعيش مثل السنوريات. ودخلت بيت طبيب عراقي يوما فرأيت الرفوف احتشدت بكتب ضخمة مذهبة العقب فسألني عنها حين رآني أشمشم الكتب قبل كل شيء؟ وهي عادتي في دخول أي بيت جديد. قلت له عليك أن لا تغضب مني فأنت تعيش عصر المماليك البرجية أيام سعيد جقمق. والرجل فوجيء مرتين بالحكم القاسي فقد كان يظن نفسه أنه يملك ذخائر المعرفة، كما أنه لم يكن قد سمع بسعيد جقمق. وكلمة جقمق تعني بالتركية ولاعة السجاير. وفي النماص من عسير تحدثت مع طائفة من مثقفي القوم فتحدثت عن فكرة ابن خلدون في النشوء والارتقاء، والانقلاب النوعي من التراكم الكيفي، وعن مظاهر انحطاط العمران في الشرق، فاكتشفت أن بين القوم من لم يسمع بعد بكاتب من حجم ابن خلدون، وحين تنسى الأمم رجالها من العقول المبدعة فتودع منها. وقبل أيام كنت أحدث شابا متدينا عن رياض الترك الذي سجنه الطاغية سبعة عشر عاما في الإفرادية، في الوقت الذي كان واعظ السلطان يقسم للطاغية أن ابنه يطير بجناحين من فضة في الجنة، ويأوي إلى حواصل طير خضر، قال لم أسمع به؟ قلت له إنها أرض تجمع قومين من يعيش بيولوجيا وفكريا، وتذكرت الأتراك في ألمانيا فقد يعمل العامل في مصانع تيسين عشرين عاما، ولم يسمع عشرين كلمة عن هايدجر وكارل ياسبرز وهيجل ونيشته وموزارت وشوبنهارو من عمالقة الفكر والفلسفة والموسيقى لأن ألمانيا تعني له عملا وعشاء وبرامج ترفيهية. وفي يوم خرجت من صلاة العشاء فحدثت طبيبا اختصاصيا في الجهاز الهضمي من جامعات فرنسية فحدثته عن توينبي المؤرخ العملاق قال لم أسمع به؟ قلت له إنها كارثة فكرية؟ ألقى إلي نظرة غاضبة وأجاب بحدة: هي لك وليس لي؟ قلت له صدقت غلبتني. ورددت في قلبي قول الشافعي: ما جادلني جاهل إلا غلبني وما جادلت عالما إلا غلبته. ومن قلب أمريكا أرسل لي طبيب يدرس في أحدث أبحاث المناعيات إعجابه بواعظ شعبي فتعجبت وعرفت أن العقل المسلم منشطر قسمين فنصفه في الماء ونصفه في الطين كما جاء في قرآن مسيلمة عن الضفدع. فالرجل قال في يوم إن محمدا نزلت عليه سورة النحل والنمل والبقرة والفيل وأنا نزلت علي سورة عن الضفدع المسكين الذي لا يعيره أحد بالا: يا ضفدع بنت ضفدعين.. نقي ما تنقين .. لا الشارب تمنعين .. ولا الماء تكدرين .. نصفك في الماء .. ونصفك في الطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق