الجمعة، 11 مارس 2011

تعلم كيف تنظر فى المرآة



تعلم كيف تنظر فى المرآة


تعلم كيف تنظر فى المرآة
رسالة إلى كل مثقف



هناك مقولة لجوبلز .. وزير إعلام الحزب النازى فى الحرب العالمية الثانية " 1939 ـ 1945 " .. مقولة عبرت عن مدى القدرات الشيطانية لهذا الوزير الفذ الذى كان بوق الحرب الخرافي لأدولف هتلر .. والقائد الإعلامى للروح المعنوية التى وقفت خلف انتصارات ألمانيا المذهلة على مدى الثلاث سنوات الأولى من بدء الحرب بالرغم من أنها خاضت الحرب منفردة وعلى ثلاث جبهات إلا أنها تمكنت من تركيع أوربا بإسقاط فرنسا وحبس الأسد البريطانى فى جزيرته ..
يقول جوبلز ..
كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست مسدسي
والعبارة تعكس مدى الإدراك العميق عند جوبلز لمدى خطورة الدور الذى يمكن أن يلعبه المثقفون فى حياة الأمم والشعوب .. وهو اعتقاد حقيقي دون شك .. لأن تربية الرأى العام تقع على كاهل المثقفين .. وما هانت أمة إلا بهوان مثقفيها ومفكريها أو بتحجيم نشاطهم ومنعهم من التواصل مع العامة
ولهذا كان التخوف رهيبا من جميع أنظمة الحكم الديكتاتورية تجاه المثقفين بمختلف العصور كما رأينا مع جوبلز .. لأن المثقفين بما لهم من فكر فى جو ديمقراطى كان كفيلا بإجلاس هؤلاء الحكام فى بيوتهم

وهو الأمر الذى فضلته ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان العسكرية فتسبب هذا فى سقوطهم التام الحرب العالمية الثانية وانتصرت الدول التى تقدر مفكريها وتستمع لهم وتأخذ قرارها من شعوبها بالرغم من فارق التفوق الكاسح الذى كان لصالح المحور على الحلفاء فماذا عن حال المثقفين وأزمتهم فى العالم العربي .. تلك الأزمة التى عالجها أو حاول معالجتها مختلف المفكرين ؟!
لو أننا أخذنا بمنهج جوبلز وفلسفته لكان لزاما علينا تغيير عبارته قليلا لتناسب مثقفي العالم العربي فتصبح العبارة
" كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست معدتى ! "

وهى حقيقة مرة .. لأن الثقافة والمثقفين لا يثيرون بقلوب العامة الآن إلا الإشمئزاز بعد أن تباعدت المسافة إلى درجة هائلة بين المثقف وإرادته من ناحية , وبينه وبين وجمهوره من ناحية أخرى .. مع عهد طويل من الانهيار الفكرى ترك العقول جوفاء فارغة إلا من النظر تحت أقدامها
وعوامل الانهيار شاملة وترتكن إلى عشرات الأسباب التى يصعب تناولها ..
لكن السبب الذى يستحق النظر إليه والتركيز حول وجوده ..
هو دور المثقفين أنفسهم فى انهيار الثقافة ! ..
هذا الدور الذى ينحصر فى التنازلات التى قدمها المثقفون تنازلا تلو الآخر عبر العصور الأخيرة ..
ولو أخذنا الأمثلة على التنازلات لكشفنا فى بساطة سبب التراجع الذى بدأ مع الإستقلال الظاهرى للوطن العربي بداية من منتصف القرن الماضي .. وإنّــا وإن كنا نحمل كل التقدير لتلك الأسماء اللامعة من قادة الفكر .. إلا أن تقديرنا هذا لن يمنعنا من تحميلهم مسئولية تسليمهم إيانا راية الفكر منكسة !
وسيأتى في هذا الموضوع ذكر لأسماء لامعة لها على الفكر العربي فضل عظيم بلا شك , وهم كانوا ـ ولا زالوا ـ أساطينا في عالم الثقافة , وليس عتابنا لهم اليوم إلا لدواعى الدراسة والفهم لمشكلة الثقافة في العصر الحديث ودور الأجيال السابقة في غياب دور المفكرين عن قيادة وتربية الرأى العام اليوم ,

ففي مصر ..
وبعد عهد كبير من حرية الفكر فى عصر الثورات الشعبية التى قادها أهل الثقافة المحترفون على الوضع السياسي والاجتماعي .. دخلت مصر النفق المظلم بانتهاء تلك المرحلة التى تألق فيها أحمد أمين والرافعى ومصطفي كامل ولطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول وعلى يوسف وحسن البنا وعشرات غيرهم ,
ليبدأ العهد العسكري الذى كان له أبلغ الأثر في تكوين الأرضية الحقيقية لثقافة النفاق والمداهنة وأهل الثقة وأهل الخبرة !

ومع بدايات الحكم الجديد ورسوخه عام 1954 م بتغلب جمال عبد الناصر وخروجه كاسبا للجولة الأخيرة بينه وبين محمد نجيب فى أزمة مارس من نفس العام .. كان حال المثقفين وقادة الفكر كالتالي :
قسم صدمه الواقع الذى فوجئ به مانعا حقيقيا أمام أى اعتراضات جوهرية .. فآثر الابتعاد عن مفسحا المجال للسادة الجدد لعلمهم يقينا بما سوف يلاقيه أيا منهم إذا دار بذهنه القيام بنفس الدور الذى اعتاد عليه قديما ..
مثل الدكتور عبد الرازق السنهورى وعبد الحميد بدوى وعبد الرحمن الشرقاوى والدكتور محمد حسين هيكل و عباس العقاد ومن تلامذتهم فيما بعد خالد محمد خالد ومصطفي محمود وغيرهم
والشاهد أن هذا القسم من المفكرين تعلموا من رأس الذئب الطائر قبل أن يطير فعلا ! , وصدقت تنبؤاتهم وتعرض المفكرون المعارضون لأبشع أنواع التعذيب والقهر
وكان العقاد هو الذى بدأ فى التقوقع بأبحاثه ودراساته الأدبية والإسلامية مكتفيا من الغنيمة بالإياب نائيا بنفسه عن المعركة التى علم أن كلا طرفيها مهزوم بالرغم من سابقة نضاله الكبير فى تجربته مع الملك فؤاد عندما دخل السجن تنفيذا لحكم على جريمة العيب فى الذات الملكية فى البرلمان الذى كان عضوا به فى الثلاثينيات , وتجربته مع الألمان فى الحرب العالمية الثانية وشرحه الكامل لخطورة النازية على أرض مصر دافعا بشدة وجهة نظر الذين أملوا فى الألمان على النحو الذى دفع روميل القائد الألمانى الشهير إلى إعلان حكمه المسبق بالإعدام على العقاد فور دخوله إلى مصر منتصرا
واكتفي العقاد بأن ترك نفسه تغلى فى صمت وهو يرضخ صاغرا لرياسة ضابط صغير فى المجلس الأعلى للفنون والآداب دون أن يفتح فمه بكلمة لا هو ولا طه حسين ولا توفيق الحكيم على حد تعبير هذا الأخير [1]

وقسم ثان وقع أسيرا لغيبة الوعى بالرغم من قدراته الفكرية فتصور خيرا فى هذا الحكم فصار مؤمنا بآماله وبالتالى أصبح بوقا له .. وإن كان البوق هنا دوره عن اقتناع لا عن نفاق .. ومنهم إحسان عبد القدوس وكامل الشناوى ولطفي الخولى وفتحى غانم والمفكر الكبير توفيق الحكيم
وكان توفيق الحكيم هو صاحب تعبير غيبة الوعى وعودته بعد ذلك , عندما كشف عن مأساة صمته طيلة السنوات السابقة قبل عام 1970 م وحرر بذلك وثيقة ضمنها كتابا شهيرا هو " عودة الوعى "



لهوامش :
[1] ـ عودة الوعى ـ توفيق الحكيم ـ دار الشروق


المصدر: منتديات عناقيد الأدب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق